لا أعلم كلمة في قاموس العربية تعبر عن الحب مثل كلمة (الحب)، فليس هناك أصدق من الحاء والباء في دلالتهما على هذا المقصود العظيم، فالحاء تفتح الفم فيبقى فارغاً حتى تأتي الباء فيضم الفم وتطبق الشفتان، إذاً هنا اجتماع بعد فرقة ووصل بعد هجر!.
وكلمة (حب) كلمة عامرة، لها أنداء وأفياء وظلال وأبعاد، وهي كلمة مؤنسة مشجية منعشة مشوقة، بل هي معجبة مطربة مغربة، لكنها ذائعة شائعة، غير أنها خفيفة لطيفة شريفة؛ لأنها باسمة مبهجة مشرقة، عليها طلاوة، ولها حلاوة وفيها نضارة.
كلمة (حب) عالم من المودة والصلة والأنس والرضى والراحة، وهي دنيا من الأمل والفأل الحسن، والأمس الجميل، واليوم الحافل، والغد الواعد.
إنها رحلة في عالم التالف والتآخي، والتفاهم والتكاتف، والتضامن والتعاون، في كلمة (حب) بسمة وضمة ولهفة واشتياق ولوعة!
إذا قلت: (حب) تداعت الذكريات القديمة، وثارت المعاني الجميلة، وحضرت المواقف المشجية، واستعادت النفس شبابها، والقلب أمله، والروح إشراقها، والمجلس بهجته، والحضور أنسه.
إذا قلت: (حب) سافرت بك قافلة الذكرى إلى صور ومشاهد لا تمحى من ذاكرة الزمن، فعرضت لك الطفل يضم الثدي، والناقة تحنو على الفصيل، والآكام تلف الثمار، والأغصان تعانق الجذوع، والفراشة تلثم الزهرة، والعش
يكتنف الطائر، فما أحسن كلمة (حب) وما أبدعها وما أروعها.
الحب حرفان حاء بعدها باء تذوب عند معانيها الأحباءُ
إذا قلت: (حب) هل غيث الرجاء، وهبت ريح الصفاء، وسرى نسيم الوفاء، وتهللت أسارير الوجوه، وانبلجت معالم الطلعات، وأشرقت شموس الأيام، إذا قلت: (حب) امتلأت الجوانح بالأشواق، والحشايا بالتلهف، والضمائر بصور الأحباب، ومعاهد الأصحاب، ومغاني الأتراب.
إذا قلت: (حب) تساقطت أوراق البغضاء، وتلاشت نزغات الشر، وارتحلت قطعان الضغينة، وفرت زمر الأحقاد، وغربت نجوم العداوات.
كلمة (حب) سماء شمسها اللقاء، وقمرها العناق، ونجومها الذكريات، وسحبها الدموع. كلمة (حب) إشراقة من عالم الملكوت، وإطلالة من ديوان الخلود، ووقفة في بساط العظمة. من استظل بسمائها اتقد شوقه وتدافع خاطره.
وأما تعريف (الحب) فخذه نظماً ولا تخش ظلماً ولا هضماً:
الحب بسمة عاشق لو أنها سفرت لغار البدر من إطلالها!
وقيل:
الحب أكبادنا تشوى وأعيننا تكوى، وأعمارنا تطوى على الأمل
وقيل:
إذا قلت هذا الحب بعد ولوعة وفرقة أصحاب وهجر أقارب
فما الحب إلا الأنس والقرب والرضى فدعني فهذا الحكم بعد التجارب
وقيل:
الحب كالسحر إلا أن رقيته شهادة لا يذوق الموت لاقيها!
وقيل:
الحب ليس رواية شرقية بأريجها يتزوج الأبطال
لكنه الإبحار دون سفينة ومرادنا أن الوصول محال
وقيل:
لعلك يا محب ظننت ظناً بأن الحب جمع وافتراق
أجل هو جمع أوصال تداعت وفرقة مهجة، ودم يراق!
وقيل: الحب قصة طويلة فصولها الشهداء.
وقيل: الحب سر لا يعرفه المحبون.
وقيل: الحب ليس له تعريف إلا الحب.
متقطف من كتاب ضحايا الحب للدكتور عائض القرني